الأحد، ديسمبر ٢٣، ٢٠٠٧

كلكم كاذبون


كعادته كل يوم أثناء ذهابه إلي عمله الصباحي توقف أمام الباب الخلفي لكلية التربية النوعية ممسكا بأحد قضبان بابها الحديدي متسائلا في سخرية عن معنى اطلال باب الكلية التي تدرس الموسيقى علي شارع يحمل اسم "إيران" الدولة الوحيدة التي تحمل كلمة "إسلامية" ملحقة باسم جمهوريتها..

تجاوز سخريته مع تكرار المشاهد اليومية داخل الكلية التى كاد أن يحقظها.. شاب يجلس مع فتاتين فخورا بجيتاره حتى وإن لم يعزف عليه.. شاب وفتاة معا منذ أول يوم تمسك فيه بالقضيب المعدني حتى كاد يقسم أن الورقة التي يقرأ منها ذلك العاشق هى نفسها التي يقرأ منها كل يوم.. أربع فتيات متحلقات حول بعضهن يمارس هواية النميمة الصباحية التي تتعري فيها كل مكالمات الهاتف الليلية بنظرات أن اجلس واقترب..

ومثل كل يوم كانت تجلس هي هناك تحت تلك البرجولة الخشبية تنافس النخلة القائمة خيالا.. ممكسة بكوب من الشاي تملأ الأبخرة المتصاعدة منه سماء صباح يوم ملبد بالغيوم من أيام كانون الأول تضع نايها غير قريب ولا بعيد عن أشجان أنفاسها التي تنافس السخونة في قاع الكوب البلاستيكي..

مثل كل يوم كانت تجلس وحيدة ومثل كل يوم كان ينظر إليها فلا تراه موقنا أنها تنظر إليه فلا يراها، وفي اللحظة التي التقت فيها عيناهما أقسم أنها كانت تبكي.. ولكن العصفور المبكر فوق رأسه والقط الناعس تحت قدميه وورقة الشجر المتساقطة فوق كتفه اقسموا جميعا انها كانت تبتسم..

كانت شجية لدرجة جعلت مجرد فكرة انها ابتسمت ولو لم تراه كفيلة بان تجعله يبتسم.. استغرق في الجدال مع المبكر والناعس والمتساقطة حول جدوى ابتسامتها لو لم تكن رأته فهم يرون أن هذه علامة جيدة علي أنها لازالت تستطيع الابتسام مؤكدين انها ابتسمت فيما كان هو يشكك في بكائها معلنا ان ابتسماتها ان كانت قد حدثت فهي لا تعني شيئا له .. محدقا في القط قائلا له ربما ابتسمت لرؤياك متكاسلا عندما ذكرتها بنفسها ليلة أمس.. أو ربما ابتسمت لهذا المغرد في صباح عجز فيه نايها.. او ربما حتى ابتمست لهذة المتساقطة الماكرة التي تذكرها بنفسها في اوقات لا يعرفها سواها..

فأقمسوا جميعا مرة أخرى أنه وعلي الرغم من الأبخرة المتصاعدة فقد استطاعوا أن يروا ابتسامتها.. فابتسم

ابتسم ثم عبث صارخا .. كلكم كاذبون، ثم عدل من وضع حقيبة العود علي كتفه.. ورحل.

الأحد، ديسمبر ٠٩، ٢٠٠٧

هنا القاهرة



كان عقد الصلح مع الإسكندرية بدءا من هنا، يوم الخميس انتهاء أسبوع ممتلئ بالعمل، عيد ميلاد أحد الزملاء وكان القرار بالتوجه إلي مهرجان الشيكولاتة بساقية الصاوي.. وعلي الرغم من أن المهرجان هذا العام أقل من سابقه إلا أن الضحك والابتسام كانا موجودين مع التعثر في أناس هناك علي غير ميعاد.. تصوير وفقرة ستديو أحلى الأوقات.. في الانطلاق سريعا إلي وسط البلد.

محاولة الاختيار بين العمل وحضور حفلة اسكندريلا في نقابة الصحفيين، وكانت النتيجة لصالح اسكندريلا علي أن نعود إلي العمل ليلا، أصوات العود ووجوه بعض الأصدقاء وكوب من الشاي وسجائر و"جيفارا مات" ونهاية الحفلة والانتقال إلي أحد المقاهي ونسكافيه وشيشة معسل.. وكان ختام الليلة نزق ومجون مع علاء القمحاوي وكان ما ينقصنا وقتها جارية ووجوه بلحى طويلة في إضاءة خافته و"نأخذ من كل رجل قبييييييييييييييييييلة".

نوم متقطع صباح الجمعة علي أصوات الهواتف النقالة والأرضية حتى الظهر والاستيقاظ مع الصداع.. وداوني بالتي كانت هى الداء.. انطلاق إلي ميدان التحرير للقاء الرفيق الجنرال أحمد رفعت المهم أن يكون مكان التلاقي بعيدا عن "كنتاكي التحرير" J.. لهذا يبدو هارديز اختيارا جيدا.. متأخرين نصل وأحمد عاد للبيت وكان الحل عبر الهواء وشبكات المحمول المباركة ليعود مرة أخرى. ويتبقى السؤال.. إلي أين..

اختيارات تتراوح ما بين الإسماعيلية وحسن أبو علي، والفيوم، العين السخنة ومن وراءها السويس، وكان الاختيار أن يا خيل الإسكندرية اركبي، وعلي الطريق كانت محطة المصرية مصر الإمارات والحيرة بين الباتية والبيبسي والرغبة في الكابتشينو والسجائر .. وكان الجمع بينهم جميعا مع مصاصة مما جعل حدقتا عين القمحاوي تتسعا.. واكتشافه أنه نسى باقي نقوده زادهما حنقا..

وعلي الطريق الصحراوي كان إيمان البحر دوريش، ويا صحبجية إيه ياللاللي .. وانتهاء البيبسي وبداية الكابتشينو مع سيجارة ضد رغبة أحمد رفعت ومتعة الهواء المتطاير من حولك ومشاهدة الطريق أحد هواياتي المفضلة، وجنون التوقف علي الصحراوي للتصوير بجوار لافتة الكيلو 68.. ولا تسأل لماذا هى دون غيرها..

بوابة الإسكندرية وتكاثف الغيوم فوق السماء.. الملاحات ورائحتها.. وكان التلاقي مع البحر عند جامعة الإسكندرية وفقرة أخرى من ستديو أحلى الأوقات.. البرودة المحببة إلي نفسي .. ورفعت يطالبني بارتداء السويت شيرت ليخبره القمحاوى أن الجو جميل.. واختفت الشمس عن أعيننا ليرتفع ضوء السيجارة معلنا الرحيل..

وكان التوقف في الأنفوشي.. شوارع الناس والأسواق وأظلمت السماء إلا قليلا، فلم يبقى طاقة من نور في نهاية الشارع.. كبدة وكفتة "وهبة" الأسطورية.. محاولات مستميتة من رفعت لاقناعي بتناول سوبيا "طلعت".. أخبره أني لا أحب السوبيا.. فيقول أنه أيضا لا يحبها.. أشربها فأقرر أني سوف أشرب سوبيا بعد ذلك .. من عند طلعت فقط.

رفعت مرة أخرى ومحاولات اقناعي بتناول حلو من "كسكسي الجامبو" اخبره مرة أخرى أنى لا استسيغ الحلويات فضلا عن عدم استقرار معدتي معها وآلام الأسنان.. ومرة أخرى أرضخ وأتناول كسكس بالبليلة والمكسرات والقشطة .. تصرخ أسناني وأخبره أن أم علي الساخنة المستقرة في طاجن علاء بالتأكيد أفضل..

وكان البحر مرة أخرى.. القلعة وتكسر الأمواج علي الصخور المجاورة لها حيث أعشق الجلوس.. والبحث عن شيء مالح يكسر ألم الأسنان.. عربية بطاطا تبدو اختيارا سيئا في ظل غياب الملح من البائع الغير موجود أصلا.. ذرة مخزنة من الموسم الصيفى بائعها أيضا غير موجود، وخناقة مع بائع الترمس الذي يرفض إعطائنا قرطاس فارغ للقشر مطالبنا برمي القشر علي الأرض "زي الناس" تنتهي بانتصارنا.. والضحك أمام بائع الحمص في أخر الرصيف.. وفينك من بدري..

الجلوس أمام الأمواج المتكسرة علي الصخور مرة أخرى.. وأكواب الشاي.. جلسة تصالح مع الإسكندرية بأكملها بعد عدد من الزيارات المعكرة بيننا.. يبتسم البحر وأعيد أكتشف أن الاستمتاع بالسيجارة لأطول فترة بدلا من حرق أكبر عدد من السجائر هو ما أفضله.. وأضع العلبة بعيدا لاشتاق اليها..

تكتمل الصورة بالأمطار.. وانصاع لرفعت وارتدي السويت شيرت والرحيل مقترنا بوعد علي لقاء أخر.. بوابة الإسكندرية وكابتشينو مرة أخرى وسجائر بدلا من تلك التي قاربت علي النفاذ.. تودعنا الإسكندرية بأمطارها إلي أخر مدى تستطيعه.. ثم تصفوا لنا سماءها وترتسم ابتسامة النجوم مع صوت منير ولما النسيمن وإيمان البحر دوريش والأولة بيانوني سف المال والتانية آه من مدموازيل باسكال والتالتة أتاري القمار له حال، بينما كان فؤاد يتعجب أوقات يا دنيا معاكي بعيش وساعات مبفهمكيش..

عتاهية التوقف أمام لافتة الكيلو 68 علي باب القاهرة من أجل تصويرها لمجرد انها خطرت علي ذهن أحدنا ولطيفة تغني "لما يجيبوا سيرتك يحلو الكلام"، ومنير مرة أخرى و"ممكن".. وكانت النهاية مع علي الحجار .. هنا القاهرة أسى الوحدة في اللمة والنطورة..