في البداية كنت أنوي أن استكمل كتابة عن أشياء حدثت في الإسماعيلية ولكن القدر كان يخبيء ترتيبات اخرى لهذا الصباح.. ترتيبات جديدة علي الكآبة التي تعلو هامتي وتتبعني أينما ذهبت .. فاليوم منحني القدر صباحا سعيدا علي غير المتوقع
أصحو من النوم فزعا بعد غفوة صغيرة لا أدري كم مر من الوقت كنت مستيقظا قبلها، يوم.. شهر سنة ألف عام.. ربما ألفين.. تبدو أختي قريبة مني لكى تطمأنني بعد الفزعة التقليدية كلما أصحوت من النوم- هل يكون هذا السبب في عدم نومي- وعلي الرغم من هذا أبدو نشطا علي غير العادة.. فبرغم كل شيء فإن نهارا من العمل في أول الأسبوع يبدو شيئا جيدا بعد قضاء يومين كاملين في نفس الغرفة منعدمة الإضاءة المغيمة بدخان السجائر.
تقف بجانبي حتي ألملم حاجياتي في حقيبة اللابتوب، تناولني كريم الشعر وزجاجة العطر قبل أن أنسى وأنزل "منعكش".. أسالها عن مكان موبايلي الجديد – الذي اشترته لي- فتعطيني إياه، اسألها عن مكان السماعة فتعطيني إياها، اتأكد من وجود كل شيء في مكانه السجائر والولاعة أولوية قصوى.. النقود.. المحفظة.. يبدو كل شيء موجودا ولكني أحمل دائما ذلك الشعور بأني نسيت شيئا لآني دائم النسيان.
انزل إلي الشارع في طريقي إلي العمل، اشغل الراديو – لأني نسيت الام بي ثري عند أحد الأصدقاء- الموجود في الموبايل علي محطة نجوم اف ام التي لم أستمع إليها منذ كثير، يبدو الجو لطيفا اليوم في الثامنة صباحا، يبدء البرنامج الصباحي بدعاء من الشيخ الشعراوي الذي أفتقد صوته منذ فترة طويلة - ربما منذ ملايين السنين- وأخر بصوت هشام عباس، يبدو الصباح أجمل يغريني باشعال سيجارة علي الرغم من الوعد الذي قطعته علي نفسي بالأمس بعدم شرب سيجارة علي الريق عندما أكتشفت أني لا صدري لم يعد قادرا علي انهاء السيجارة إلي أخرها ، وانه لم يعد قادرا سوى علي تدخين أربعين سيجارة يوميا .. وان رفع ذراعي الأيمن يسبب لى آلاما في صدري.
ارمي كل هذا وراء ظهري وأشعل السيجارة فالصباح أجمل من هذا بكثير ، أتجه إلي المترو مستمتعا بالخلفية الصوتية في أذني عن الحالة المرورية والطقس اليوم، أقف في الطابور لأقطع تذكرة، ولأول مرة أتسامح مع هذا الذي يقطع التذكرة من خارج الطابور فالصباح يزداد جمالا، أدلف إلي العربة متجاهلا الكرسي المقابل لتلك الجميلة المستعدة لإعطائك ساعة من الجمال بالنظر إلي جمالها، فالصباح رائع بالفعل ولندخرها ليوم أخر-.
يزداد رونق الصباح جمالا مع انسياب أغنية "كان في فراشة منقطة" إلي أذني، أضع الحقيبة علي ساقي صانعا منها منضدة بدائية وأخرج منها "الحب في المنفي" لبهاء طاهر والقلم وورقة ممارسا هوايتي في كتابة الجمل التي تلمسني أكثر من غيرها في الرواية في محاولة للتغلب علي ذاكرتي الضعيفة، وعلي الرغم من أني أعرف أن مصير هذه الورقة سيكون النسيان في مكان إلا أني اتجاهل هذا.. الصباح جميل حقا..
أستكمل قراءتي مستمتعا بكل حرف في الرواية، متجاهلا نظرات الاستعجاب المصحوبة بهمهمات من حولي عن شباب اليومين دول اللي مبيشيلش السماعة من ودنه وكمان رايق علي الصبح وشكله بيذاكر، بينما تنساب الألحان في أذني بدون تمييز للكلمات حتى أصل إلي محطتي.
مع خروجي ترتطم بأنفي رائحة الخبز الطازج من كيس بلاستيكي يحمله أحد المجندين فثير في نفسي رغبة في الإفطار تتلاشى مع تلاشي الرائحة بابتعاد المجند، أشعل سيجارة مستمعا لنفس المحطة تدوي أغنية "قد الحب بحبك" في أذني مع وصولي لمكان العمل فاتلكأ في الصعود متعللا بإنهاء السيجارة خوفا من انقطاع الإرسال في المصعد.
أدفع باب الشركة ليفاجئني عم أباصيري في المدخل بضحكته الجميلة قائلا "خير وشك بيضحك النهاردة"، أسلم عليه ثم أدلف إلي البوفيه من اجل زجاجة الماء، يصر عم صابر علي إعداد مج النسكافيه بدلا من القهوة منذ أن لاحظ انى توقفت عن الإفطار مع وعد بالقهوة بعد الانتهاء من النسكافيه والسيجارة.
أجلس إلي مكتبي أشعل عودا من البخور برائحة الياسمين، مشغلا فيروز مستمعا لبنت الشلبية واكتب عن هذا الصباح مستنشقا رائحة الياسمين.. فالصباح كان أجمل ما يكون.