الأربعاء، فبراير ٢٠، ٢٠٠٨

وفم الزمان تبسم وسناء



يبدو أننى كلما أخفقت في أن أوفي أحدهم حقه علي أرض الواقع هربت إلي هنا معبرا ما أردت أن أقول له ولم أستطع.. وحتى هنا أحيانا يعجز قلمي وتنعقد عقدة في لساني فلا يفقه قولي.. فأكتب أقل مما أردت أن أقول.. وهذا ما يحدث اليوم فمن سأتحدث عنه اليوم لا يطوله قلمي ولا لساني فمن أنا حتى اتكلم عن ابن بنت رسول الله (ص) أحمد الدريني..

ولد أحمد الدريني في 20 فبراير 1985 ليصبح فيما بعد واحدا من اثنين علي وجه الكرة الأرضية أدعوهما بكلمة (مولانا) ليس من بينهما والدي، وليصبح أحد الذين يمتلكون شرفة رئيسية في قلبي يطلون منها علي ما يشاءون ولهم فيها ما يشتهون..

وفم الزمان تبسم وسناء

أمضي أحد الدريني مازاد علي واحد وعشرين عاما قبل أن أراه لأول مرة في حياتي.. وتقابلنا في عمل ليكون أول ما أكتشف منه فكرا، فدريني – بعدما خلعت عنه لقب أحمد- صحفى بفكر أديب بداخله كم هائل من القراءات والمعارف.. حدثه عن النملة التي اصابها الهلع عندما رأت مكعب سكر فيورد لك ما ورد ذكره في تاريخ القرطبي عن جدتها، وعن التفسير النفسي لخوف النملة في أعماق المحيط الذي قراه في مجلة وجهات نظر، فضلا تأثير النملة التي قالت لا والذي قراه في أخبار الأدب.. وسيذكر لك بيتين شعر قالهما أحد الأقدمين عن فضل النملة الخائفة..

والوحي يقطر سلسلا من سلسل *** واللوح والقلم البديع رواء

اعتاد علي لغة الدريني في الحديث وأغوص معه فيها حتى أتبادل معه عباراته وسط ذهول بعض الحاضرين وعدم استيعابهم لما يقال.. فتكتشف الجانب الأخر لفتى ملائكي السريرة نحيف الجسد أسمر اللون ذاهل العينين.. تتسع حدقتاه دهشة عندما يخبرك بشيء يعرفه من قبل ومن المفترض أن تندهش أنت لا هو.. ولكنه يتضامن معك في الدهشة مما سوف يخبرك به..

يقوم الدريني بدور صانع البهجة في حياة الكثيرين – وأنا منهم – يدخل العمل صباحا موزعا الحلوى علي المتواجدين في المكان مثيرا جوا من التفاؤل الصباحي.. وكما يشيع التفاؤل يقضي في طريقه علي أي روح أو نية للاكتئاب.. فمن ضمن مواهبة المتعددة الاستماع الشديد إلي ترهاتك وإقناعك تماما أنها حدثت لصالحك مها ارتأيت أنت العكس.. وان الكون يتأمر دائما لصالحك لا ضد مطامحك.. وأن الدواء الذي تطلبه أنت أقسى عليك وأكثر ضررا من الداء نفسه.. وستعرف يوما كم هو محق..

داويت متئدا وداووا طفرة *** وأخف من بعض الدواء الداء

يستطيع الفتى ان ينقلك من حالة الحزن لحالة التوازن فيرفعك منها إلي حالة اعتدال المزاج ومنها إلي التحليق في سماء نفسك، ولا يبغى في النهاية عسلية ولا بونبوني ولا يبغى أن تشكرون..

والبر عندك ذمة وفريضة *** لا منة ممنوحة وجباء

جئت هنا حتى أقول لهذا الفتى كم أحبه وكم يحتل في قلبي من مكانة ولم اعبر عن هذا جيدا- ربما لم أعبر من الأصل- حسنا دريني أنت تعرف أين مقامك من هنا.. فأقم حيث شأت

وكن لي كما تهوي.. أمطر علي الدفء والحلوى


الأبيات من ولد الهدي لأحمد شوقي

السبت، فبراير ٠٢، ٢٠٠٨

العهر وراء الألواح

كانت كل القصص المعتادة تبدأ بـ"هي" تجلس في ذلك المقهي تجتر ذكرياتها مع "هو" الذي يدخل نفس المقهى بصحبة فتاة أخرى فتراهما معا لتبكي أمامها أو وراءهما.. أو في أعماقها.. أو تلعنهما معا مشفقة علي ضحيته الجديدة.. حتى قررت الآلهة تغيير الوضع فأصبح بإمكانك أن ترى "هو" جالسا في المقهى يرتشف من قهوته المضبوطة رشفات تترك أثرها باللون البني الداكن علي أعقاب سجائره المتساقطة واحدة تلو الأخرى في مطفأة كان بإمكانك أن ترى قاعها منذ قليل..

جالسا يتحدث عن أشياء.. عن روايته المفضلة وموسيقى يستمع لها.. يرمق طفلا يمر من أمام اللوح الزجاجي لتترك أصابعه خطا بالعرض علي أثر شدة من يد أم لم يروقها توقفه أم المعروضين خلف الألواح للحظة.. لحظة يقرر فيها أنها عندما يكبر سوف يأتي إلي هنا كل صباح ليتناول إفطارا فرنسي الإعداد ويقرأ جريدته قبل أن يتوجه إلي عمله وسيصطحب من ستكون "هي" ليخبرها كيف مر من هنا يوما وقرر أن هذا المقهى سيكون ملاذه الدائم.. كيف أنه احتفظ بهذا المقهي بكرا من أجلها..

يبتسم في أعماقه مشفقا علي طفل سيكتشف يوما أن الجالسين وراء هذه الألواح الزجاجية ليسوا بهذا الشرف، وأنهم لا يتناولون إفطارا فرنسي المذاق.. سيكتشف يوما كيف يختفي العهر وراء لمعان الألواح المصقولة.. عهرا تراه عندما تمارسه..

يمضى الطفل وتمضى ابتسامة لم تأتي.. ليعود ليتحدث مرة أخرى عن أشياء لا يحبها ورواية يكرهها ليقطاعه الصمت هامسا في أذنه بأن كلمة مما قاله لم تخرج من بين شفتيه.. يلتفت إلي الجالسة بجواره فلا يراها.. يتلفت حوله في المقهى باحثا عن "هي وهو" فلا يراهما.. يعرف أنهما لن يأتيا هنا اليوم أيضا.. يسدد الحساب ساخرا من نفسه.. علي كل لم يكن هذا مقهانا المفضل..